ما هي ملابسات العملية ؟، وما علاقتها بمخطط إقبار جهاز الدرك ؟، وهل لتصفية الحسابات دور في التعجيل بتنفيذ عملية مستحيلة ؟!!

——
الدرك الصحراوي حقائق وخفايا :

تحاك منذ مدة مؤامرة معلومة لإقبار مؤسسة الدرك الصحراوي العتيدة، التي تعتبر من المؤسسات الهامة داخل جبهة البوليساريو، لكن منذ تولي ابراهيم غالي منصب الأمين العام لجبهة البوليساريو ، بدأت خيوط المؤامرة تتشعب وتتشابك، وتفرعت لتصل إلى القلب النابض لمؤسسة الدرك، وقيادته ، فانطلقت حملة التهميش والتضييق، والإهمال حد الإقصاء من حضور اللقاءات الرسمية، والمشاركة في البعثات الخارجية.
من كان يصدق أن جهاز الدرك القوي، الذي يكفي ذكر اسمه بين الصحراويين بالمخيمات لتختلط المشاعر بين الخوف لدى البسطاء، والفخر والتباهي للمنتمين له، والسطوة والتحكم بالنسبة لقادته، من كان يصدق أنه سيأتي يوم يشهد الجميع ضعف هذه المؤسسة العتيدة، ويعايش تقويض أركانها بفعل فاعل، وبإيعاز من جهات عليا معلومة وغير معلومة، فمن يقف وراء هذا القرار ؟، وما هي خلفياته ؟، وما مصير قادته البارزين ؟.

انطلقت سلسلة الإقصاء ومسيرة دفن الدرك الوطني الصحراوي، بظهور تشكيلات عسكرية لا تخضع للمؤسسات الأمنية بجبهة البوليساريو، تتحكم في دواليب المخيمات، ثم تلتها مرحلة تشويه الدرك، بتشكيل عصابة ترتدي زي الدرك، كانت تعترض سبيل الناس وساكنة الأرياف والسيارات خارج المخيمات، وتصادر ممتلكاتهم وتستولي على سياراتهم عنوة، وكان عناصرها يرتدون زي الدرك ، ويغطون وجوههم مثل اللصوص ، وحين كثرت الشكايات ضدهم ، تبين أنها قوة لا تخضع لأي سلطة رسمية، وبعد تتبع مسارها في إحدى الحوادث، اكتشف الضحايا وجود سيارة أولئك العناصر داخل مستودع الدرك الصحراوي، وحين سؤالهم عن تلك السيارة وعلى أنها ضمن تشكيلة العصابة التي تعترض سبيل الصحراويين، لم يجدوا جوابا شافيا، وانطلقوا في شكواهم إلى أبعد الحدود ، ليتبين أن تلك المجموعة لا وجود لها رسما ، رغم أنها تتحرك بفعل فاعل ، مسؤول وقوي، ولا تخضع لأي قانون ، ولا يمكن محاسبتها.
بعد مرحلة التشويه التي استمرت طويلا، وتلتها مراحل أخرى لا يتسع الجانب لذكرها، بدأت مرحلة جديدة، من الحد من أعداد المنتمين لقوات الدرك لصالح الشرطة الوطنية ، وهو أمر طبيعي ، لكنه كان بشكل لافت للغاية، قبل أن تخرج أوامر بإبعاد قوات الدرك عن المخيمات، والاقتصار على وجودها في مناطق محددة، وإلحاق كل تشكيلاتها بالناحية الأولى، وهو ما جعل المنتسبين لجهاز الدرك يعيشون حالة من التخبط والفوضى ، والتهميش، وبدأت سلسلة من المشاكل التي لا تنتهي.

صراع الشرطة والدرك :

بعد أفول نجم جهاز الدرك، وتراجع دوره لصالح جهاز الشرطة، لوحظ تعاظم حجم الصراع بين الجهازين ، ودشنت الشرطة حملة من الاضطهادات والتجني على عناصر الدرك، كانت تقابلها في كل مرة هجومات متكررة من عناصر الدرك دفاعا عن رفاقهم ، واستهداف مقرات الشرطة، والدخول في مواجهات دامية تنتهي في الغالب بالتكتم على الموضوع، دون وصولها الى القضاء ، ولعل حادثة ولاية السمارة قبل أيام خير شاهد على ذلك.

الدرك والمواطنون :
بنت قوات الدرك علاقة وثيقة مع المواطنين بالمخيمات، ومهما كان نوع العلاقة، وبغض النظر عن الاختلالات التي شهدتها حقبة جهاز الدرك، إلا أن ساكنة المخيمات ترعرت وهي ترى جهاز الدرك وعايشت هيبته وسطوته، التي تلاشت بين ليلة وضحاها، لصالح جهاز الشرطة الذي أصبح محجا ومصنعا للفاشلين والمنقطعين عن الدراسة ، ومن يلفظهم المجتمع ، ما انعكس على جهاز الشرطة وتدبيره للأمور ، ودخوله في مواجهات مع المواطنين بفعل تعنت المنتسبين له، وظلمهم للساكنة، وانتقامهم من المجتمع بعد دخولهم الشرطة، فصارت الساكنة تتأسف على زمن الدرك ورجالاته من ذوي العقول الرزينة، والكياسة في تدبير الأمور، وترفعهم عن بعض الصغائر التي لا يتوانى المحسوبون على الشرطة في فعلها.

وعلى العموم وبغض النظر عما حدث ويحدث لجهاز الدرك، فللتاريخ وإنصافا لجهاز الشرطة ، فما يحدث به ، يبدو أنه توجه عام يعتري كل المؤسسات التابعة لجبهة البوليساريو، حيث أصبح لافتا الاعتماد على أراذل القوم والأشخاص المنبوذين في تسيير جل القطاعات، وليس فقط بداخل الشرطة التي ظهرت بها تلك الظاهرة بشكل لافت، ما تسبب في كثرة المشاكل والصراعات والهجوم على مقرات الشرطة من طرف المواطنين، لتعتمد قيادة الجبهة كحل على تقسيم جديد ارتكز على خلق نقاط محلية بالأحياء، أنيط بتسييرها لنساء شرطيات، وهذه الفكرة رغم إيجابيتها للبعض، لكنها زادت من ضعف جهاز الشرطة، ولم تسهم في الحد من خروقات وظلم عناصره من المراهقين الذين تولوا القيام بدوريات والتحرك الدائم بالمخيمات بعيدا عن المراكز، لكن ذلك جعل المواطنين فريسة سهلة لهم ولابتزازهم، ما فاقم المشكل ، وزاد من إضعاف الشرطة، وتلطيخ سمعتها التي أريد بناءها على حساب الدرك الذي شوهت سمعته عن سبق إصرار وترصد.

تصفية الحسابات :

مع تدني أسهم جهاز الدرك، انطلقت قياداته في البحث عن بدائل والخروج بسرعة من داخل الجهاز، والخروج برؤوس مرفوعة قبل فوات الأوان، فبدأت رحلة البحث وطلب التنقل ، أو التعيين في مراكز أخرى داخل وزارة الدفاع ، أو المهام العسكرية الأخرى طلبا للخروج من مستنقع الدرك قبل الغرق، ليتفاجأ القادة البارزون بجهاز الدرك أن القرار بإقبار مؤسسة الدرك أو إضعافه في أحسن الأحوال، يراد منه أيضا إضعاف قادته، وإذلالهم ، ودفعهم للخروج بفضائح أو تهم جاهزة، أو توريطهم في قضايا ذات بعد إقليمي مرتبط بالإتجار بالمخدرات وتسهيل عمل المهربين ولما لا الاتهام بالتورط مع الإرهابيين.

إعلان الحرب :

لم يسهم إعلان جبهة البوليساريو العودة للحرب، من حدة حرب أخرى شرسة على رموز جهاز الدرك الصحراوي، ولم تنفع الشعارات المعلنة والدعوة لوحدة الصف، وتثمين الكفاءات والحاجة لها في الميدان، لم يحد كل ذلك من حرب خفية ضد قادة جهاز الدرك، ورغم أهميتهم الميدانية وخبرتهم الطويلة في المعارك، والحاجة إليهم، إلا أن خيوط المؤامرة استمرت في التعقيد، ووصلت نقطة اللا عودة.

سقوط قائد الدرك الوطني الصحراوي :

لم يخف المتتبعون للشأن العسكري ، وقادة وعناصر الدرك الصحراوي شكوكهم في العملية العسكرية التي أودت بحياة القائد العسكري : الداه البندير خطاري برهاه ، قائد سلاح الدرك الصحراوي، القائد المحنك والخبير في الهندسة العسكرية، خريج أكاديمية شرشال العسكرية دفعة 1981 ، البندير الذي تولى سنة 1985 منصب قائد للهندسة العسكرية، وتدرج في العديد من المناصب من مدرب الى مدير مركزي للعمليات والاستطلاع، ثم قائد لأركان قيادة الدرك إلى قائد فيلق الى ان تقلد منصب قائد سلاح الدرك الوطني الصحراوي سنة 2018 وهو المنصب الذي بقي فيه إلى أن توفي بتاريخ 06 ابريل 2021 ، عاش خلالها أحداث غاية في الأهمية ، ودشن مسيرة حافلة من التكوينات والتدريبات العسكرية، وخبرة عسكرية لا يستهان بها، وكان يعتبر الصندوق الأسود للعمليات العسكرية الكبرى.
وقد شكل إعلان مقتله صدمة بالغة في صفوف المواطنين البسطاء، فكيف الحال بين المقاتلين ؟، وطرحت التساؤلات عن الوقت والأسباب ، وملابساته.
الداه ولد البندير ، عرف عنه الخبرة الميدانية، وكان فضلا عن كونه قائدا لسلاح الدرك الصحراوي، كان أحد أهم أعضاء هيأة الأركان التابعة للجيش الصحراوي، من القلائل الذي يعرفون الجدار المغربي غاية المعرفة، والمشرف الأول على تكوين على عناصر الجيش وإطلاعهم على التفاصيل الدقيقة للجدار ومواقع الدفاع ، والمعلومات الحساسة ذات الصلة به.
وبعد إعلان الحرب من طرف جبهة البوليساريو ، وخلال أكثر من اجتماع لهيأة الأركان لتدارس الوضع الميداني، كان من أشد الرافضين للقيام بعمليات عسكرية قرب الجدار ، وحذر من خطورة الإقدام على ذلك، ودخل في مشادات مباشرة مع قائد اللواء الإحتياطي محمد لمين ولد البوهالي الذي أصر على ضرورة تحقيق اختراق نوعي، يعزز من حظوظ جبهة البوليساريو في المفاوضات المتوقعة ، والجلوس لطاولة الحوار المنتظرة، والتي لن تكون ذات قيمة ما لم توازيها عملية عسكرية نوعية تظن القيادة أنها عامل مهم في الحسم.
الرفض القاطع والصريح لقائد سلاح الدرك، لم يمر مرور الكرام، وتلته اتصالات مباشرة ومكثفة من القيادة العليا، وحاولت الدفع بالمسؤول الأول عن سلاح الدرك، والخبير في الهندسة العسكرية لقبول مقترح القيام بعملية عسكرية قرب الجدار، وحيث أنه الخبير الأول والعارف لخبايا الجدار، والمحاضر والمكون والمؤطر الأول في ما يتعلق بالدفاعات المغربية، ورأيه حاسم في تنفيذ العملية من عدمها ، فقد كان قراره الرفض القاطع، وتعليله للرفض بسبب تغير المعطيات الميدانية والجغرافية ، التي يستحيل معها تنفيذ عمليات من هذا النوع.

جبهة البوليساريو تعلن مقتل قائد الدرك خلال عملية قرب الجدار :

رغم الإعلان الصريح عن الرفض القاطع لعملية من هذا النوع، يتم الإعلان عن مقتل قائد العمليات في عملية هو نفسه يرفضها ، فما الذي حدث ؟.
المحللون العسكريون طرحوا أسئلة موضوعية ومشروعة: هل قيادة البوليساريو غبية إلى هذا الحد، لتحاول القيام بعملية عسكرية مستحيلة؟
هل تم إرغام القائد العسكري على تنفيذ عملية قاتلة من هذا النوع ؟.
أم هل للأمر علاقة بتصفية الحسابات ، وبالصراع الدائر لإقبار جهاز الدرك الصحراوي ، والانتقام من قادته ؟.
أم أن الأمر أخطر من ذلك وجاء تصفية للقائد بعد رأيه العلني في تنفيذ عملية عسكرية غير ممكنة ؟.
هل انتقمت منه القيادة لرفضه الأوامر في اجتماع عسكري وأمام أنظار أهم القيادات ؟.
هل تمت تصفية قائد سلاح الدرك خدمة لأغراض دعائية ، فما دامت العملية مستحيلة وهناك الحاجة لها ، فلماذا لا تتم إزاحة القائد المتمرد الرافض وفي نفس الوقت يتم خلق نقاش عن قدرك جبهة البوليساريو أو على الأقل محاولتها للقيام بعمليات عسكرية في عمق الجدار ؟.
تبقى الحقيقة الوحيدة أن الإعلان عن مقتل قائد الدرك الصحراوي، تطرح الكثير من التساؤلات ، وتخفي حقائق لا يمكن أن يتم عزلها عن الواقع والصراع الدائر لإزاحة قادة عسكريين بارزين ، آن أوان قطافهم ، ولا يمكن إخراجها عن سياق لعبة المفاوضات والدعوة للجلوس الى طاولة المفاوضات من طرف قيادة البوليساريو ، وما تستدعيه من خلق نقاش عام داخلي وخارجي لم تنفع معه البلاغات العسكرية، والحرب المحدودة المفعولية، فكان لزاما خلق حدث أكبر يعطي نفسا لتلك المفاوضات، مهما تكن التضحيات، ولو صحت التضحية بالقائد العسكري الداه ولد البندير، فهي تضحية كبيرة وخسارة لجبهة البوليساريو نفسها ، والأخطر أنها رسالة تحذيرية ليس لقيادات جهاز الدرك فقط ، بل لكل القيادات العسكرية التي تراهن على سياسة جبهة البوليساريو التي أثبتت أنها حركة تقود ثورة مزعومة لا تأكل إلا أفرادها. فهل من معتبر ؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

‫شاهد أيضًا‬

اختطاف وحرق وهجوم بمخيمات تندوف..أسبوع من الانفلات الأمني والفوضى تحت قبضة البوليساريو

تعيش مخيمات تندوف أياما سوداء من الفوضى والانفلات الأمني، تظهر حجم التدهور في المنظومة الأ…