لم يعد صراع قيادة جبهة البوليساريو خفيا ، أو من وراء ستار ، بل أصبح ظاهرا باديا لا تخطئه العين ، صراع القيادة أججته حرب البوليساريو ، وغذاه مرض ابراهيم غالي ، وزكته المرحلة ، ونفخت فيه النزعة للسلطة ، وحب التحكم .
لم يعد صراع القيادة بين جناحين عسكري ومدني، بل تعداه الى صراع الأفراد فيما بينهم، كل يبحث عن مكان ولو تطلب الأمر المستحيل ، الجميع يبحث عن موطء قدم في مربع القيادة ، القيادة الفعلية وليس قيادة الانتماء ، والمناصب الشكلية والمراتب الثانوية .
غياب زعيم البوليساريو، ودخول المخيمات في فوضى عارمة، واحتكار كل صاحب قطاع لمجاله، ورفض القادة الاستماع لبعضهم البعض، واحتكار تدبير المصالح والمؤسسات فيما يشبه دويلات صغيرة داخل دويلة “الجمهورية الوهم”، التي اندثرت وأثبتت خلوها من أي معنى ، لقد تبين أن الدولة فكر بمخيلة القيادة لمجرد حب السلطة، وليس معطى واقعيا مبنيا على أسس منطقية، ويا ليتها كانت دولة واحدة، بل كل قائد يريد دولة لنفسه، وهذا يفسر استكانة قيادة البوليساريو لأزيد من نصف قرن بالفيافي ، تفرض تسمية نفسها بدولة اللجوء، وتخاطب العالم بهذا، ويفرح عناصرها لمجرد نعتهم بالرئيس والوزير والسفير والوالي وغيرها.
لو سالتم القيادة عما تتمناه، لتمنت أن لم تكن أعلنت الحرب، ولا دخلت فيها، لأنها تريد العيش في الظل بلا مشاكل تعكر صفو تمتعها بالمناصب ، واستغلال المساعدات ، والاستمتاع بالسفريات والولائم ، فما لها وللحرب ؟!!.
ولو سألتهم عن أهم حدث في مسارهم ، سيجيبونك دون تردد : “كورونا ” لأنها على قد خوفها منهم ، فقد خلصت بعضهم البعض من وجوه معمرة، أطالت البقاء أكثر مما يمكن ، واستولت على قيادة البوليساريو لعقود طويلة، وقد تكفلت كورونا دون غيرها بإزاحتهم من المشهد ، وإفساح الطريق للمتربصين بالسلطة وتولي زمام المخيمات حبا في المناصب وليس غيرها.
كورونا فتكت بقيادة البوليساريو ، وششت شملها ، وحققا ما لم تستطع السنوات تحقيقه ، وأنصفت المظلومين والمضطهدين، ورغم ذلك لم تنجح في تخفيف حدة الصراع بين من تبقى من القيادة .
القادة لا يهتمون بالموت ولا بالمرض، واليوم وهم يودعون أحد رفاق دربهم لم يتوانوا عن الخوض حضوريا لمن حضر منهم ، ولا عن بعد لمن غاب منهم ، لم يتوانوا عن الحديث في ترتيبات المرحلة القادمة ، التي غاب فيها البعض ، وينتظر غياب البعض الآخر، ويمني البعض الآخر النفس بالسطو على المناصب بطرق ملتوية وكيدية، فلا أقدس لديهم من الحصول على منصب.
ولأن الفرصة مواتية وقريبة من البعض، بدأت مظاهر الصراع تشتد، وبلغت أوجها، وانطلقت في مختلف الاتجاهات ، وصلت حد التخوين والاتهام بالتخابر مع الجهات الخارجية ، وهي تهمة طالما كانت حاضرة في فلسفة القيادة، لكنها صارت تستعمل بين القيادة نفسها.
القيادي البشير مصطفى السيد ، خرج باتهام خطير في حق مرافق ابراهيم غالي ، المدعو “سالم لبصير ” ، واستغل خرجته الاعلامية غير الموفقة مع أحد المواقع الاسباني، وهو الموقع الذي قدم معطيات حساسة عن وضعية ابراهيم غالي، ونية القيادة في التهرب من القضاء الاسباني.
وهي المقابلة التي أثارت ضجة داخل المخيمات، واعتبرها أتباع البوليساريو ضربة قاضية لجبهة البوليساريو داخل اسبانيا، وبأنها ستحرمهم من التعاطف الاسباني، وانتقدوا خرجة مرافق ابراهيم غالي ، وسذاجته في الحديث ، وعدم خبرته في الاجابة عن الأسئلة.
البشير مصطفى السيد اعتبر الفرصة مواتية للانتقام من مرافق زعيم البوليساريو، وحاول تشويه سمعته بقدر الامكان، لأسباب كثيرة منها الغيرة من عدم اختياره لمرافقة الزعيم من طرف النظام الجزائري، ومنها أيضا خوفه من نفس الشخص وقربه من ابراهيم غالي ، وإمكانية تأثيره على الوضع بالمخيمات بما يناسبه، والأخطر أن يكون هو من يدير المخيمات بالهاتف باسم الرئيس ، ولكن على هواه، الذي لا يتماشى بالضرورة مع الكثير من القيادة وعلى رأسها البشير مصطفى السيد.
ولهذا استغل البشير ولد السيد الفرصة جيدا، وأطلق سهاما نارية في وجه مرافق الرئيس، محاولا تجريده من كل حظوظ قد تبوءه أية مكانة في المستقبل القريب. فقام البشير بتعميم رسائل نصية على عدد من القيادة والمنابر التابعة للجبهة ، تحذر من “سالم ولد لبصير ” مرافق ابراهيم غالي ، ومن تواجده باسبانيا.
مرافق ابراهيم غالي ، بعد خرجته الكارثية التي أثرت في موقف جبهة البوليساريو، وأضرتها كثيرا ، حاول معالجة الموقف بخرجة أخرى ، لتخفيف تأثير خرجته الأولى ، على الأقل داخل المخيمات والجزائر ، فاختار إجراء حوار مع احد النشطاء التابعين للجبهة ، من المدونين المعروفين بين أتباعها ، الذي استضافه في لقاء مختصر ، حاول من خلاله الاجابة والتبرير.لكن القيادي البشير ، استمر في تخوينه ، بل وخرج بتدوينة هاتفية غاية في الخطورة ، مست من المرافق وشككت في محاوره ، واتهمت الجميع بالخيانة ، وحين اتهمه بالخيانة لم يبعث الرسالة عبر المقربين أو وسطاء، بل بعثها بنفسه ومن رقمه الخاص ، ونشرها بين الأتباع ، حتى لا يترك أي مجال للتشكيك في صحتها، ولم يهمه ما يقال عنه، بقدر ما يهمه أن يصدق الجميع ما يقول .
من هنا نفهم المستوى الخطير الذي بلغه صراع القيادة، التي تخلت عن أطروحتها ، وتنازلت عن شعاراتها ، الى حين الخروج من الحلبة ، واستتباب الأمر للقوي بينهم، والضحية الأولى والأخيرة هم أولئك المستضعفين بالمخيمات ، ومن يثق بجبهة البوليساريو ، ومن يعول على قيادة تبحث عن مصالحها الذاتية لا غير ، ولو على جثث رفاقها ، وبقايا أصدقاءها .

#الصورة المرفقة مع المقال : رسالة القيادي البشير ولد السيد من هاتفه الخاص ، يتحدث عن خيانة مرافق ابراهيم غالي بالمستشفى ، ويتهمه بعقد لقاءه الأول مع صحفي تابع للمخابرات الاسبانية ، وبعقد لقاءه الثاني مع صحفي تابع للمخابرات المغربية .#الباباراتسي : مصطلح معروف يطلق على الصحفيين متتبعي المشاهير والفضائح وصائدي اللقطات والفيديوهات الخاصة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

‫شاهد أيضًا‬

تمييز عنصري من طرف ممثلها الجزائري .. صحراوي يفضح منظمة دولية ناشطة بمخيمات تندوف ويرفع قضية ضدها

تابع منتدى ” فورساتين” بقلق كبير، واستهجان شديد ما تعرض له السيد محمد حمودي، م…